[size=16]شاءت إرادة الله سبحانه وتعالى أن تُوَجَّه أنظار المسلمين ومشاعرهم إلى شرائح المجتمع الضعيفة،
والتي لا تقوى على القيام بدورها الطبيعي في المجتمع إلا بدعم مساند من جهات أخرى،
ولعلَّ على رأس هذه الفئات ( شريحة الأيتام ) ،
والتي فيها من الضعف والحاجة إلى العطف والحنان والمساعدة المادية والإنسانية الشيء الكثير،
ومما يلفت النظر أيضا أن الله سبحانه وتعالى ذكر لفظ اليتيم في القرآن الكريم ثلاثًا وعشرين مرة،
وفي ذلك إشارة واضحة للمسلمين للانتباه والوقوف وقفة جادة أمام هذه الفئة وأمام احتياجاتها،
والمشاكل التي قد تواجهها سواءً أكانت معنوية أم مادية أم اجتماعية أم غير ذلك،
وبالنظر في نصوص القرآن العديدة في شأن اليتيم ،
فإنه يمكن تصنيفها إلى خمسة أقسام رئيسة،
كلها تدور حول:
دفع المضار عنه، وجلب المصالح له في ماله،
وفي نفسه، وفي الحالة الزواجية،
والحث على الإحسان إليه ومراعاة الجانب النفسي لديه.
قال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً
وَبِذِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ) النساء36
فالإحسان إلى اليتيم متعين كما هو للوالدين ولذي القربى ،
وليس هذا فحسب بل وقرنه رب العزة والجلال بالإيمان به وجعله من أعظم أعمال البر ,
فقال جل من قائل ( لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ ) [البقرة 177 ]
ولقد تنزلت في حق اليتيم الآيات في أوائل ما تنزل من القرآن المكي
كقوله تعالى ( أَرَأيتَ الّذِي يُكَذّبُ بالدّينِ * فَذَلِكَ الّذِي يَدُعُ
اليتيمَ * ولا يحُضُّ عَلَى طَعَامِ المِسكِينِ ) [ الماعون 1-3 ]
ومفهوم الآيتين المباركتين، أنّ الذي يطرد اليتيم،
ويحرم اليتيم حقه، هذا هو الذي يكذب بالدين. تعبيراً عن الترابط العميق بين الدين،
وبين الاهتمام بشؤون الأيتام، وبين الإيمان وبين الاهتمام بشؤون المتعبين .
فلا يمكن أن يبقى الإنسان متديناً ويطرد اليتيم .
وقوله تعالى ( فَأمَّا اليَتِيم فَلاَ تَقهَر ) [الضحى 9 ] .
قال ابن كثير : فلا تقهر اليتيم : أي لا تذله وتنهره وتهنه ،
ولكن أحسن إليه وتلطف به ، وكن لليتيم كالأب الرحيم [3]
وقوله تعالى ( فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام
في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة ) البلد 11-15
وقال تعالى ممتدحا حال الصالحين
( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا ) الإنسان 8
قال القرطبي : أي يطعمون الطعام على قلته وحبهم إياه وشهوتهم له ,
وكان الربيع بن خثيم إذا جاءه السائل قال : أطعموه سكرا فإن الربيع يحب السكر .
وروى منصور عن الحسن أن يتيما كان يحضر طعام ابن عمر ,
فدعا ذات يوم بطعامه ,وطلب اليتيم فلم يجده ,
وجاءه بعد ما فرغ ابن عمر من طعامه فلم يجد الطعام , فدعا له بسويق وعسل
فقال : دونك هذا فوالله ما غبنت [4]
وعلى العكس قال تعالى موبخا كفار قريش ومن على شاكلتهم ( كلا بل لا تكرمون اليتيم ) الفجر 17
ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم من أوائل الذين لمسوا آلام اليتيم وأحزانه؛
ولذلك سجَّل في حديثه الشريف:
" أَنَا وَكافِلُ اليَتِيْمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُما"
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه
فقال صلى الله عليه وسلم ( أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟
ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك )
حدثنا علي بن محمد ثنا يحيى بن آدم ثنا بن المبارك عن سعيد
بن أبي أيوب عن يحيى بن سليمان عن زيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه
وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه).
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد
عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم إني أحرج حق الضعيفين اليتيم والمرأة).
حدثنا هشام بن عمار ثنا حماد بن عبد الرحمن الكلبي ثنا إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري عن عطاء بن أبي
رباح عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من عال ثلاثة من الأيتام كان كمن
قام ليله وصام نهاره وغدا وراح شاهرا سيفه في سبيل الله وكنت أنا وهو في الجنة أخوين كهاتين أختان
وألصق إصبعيه السبابة والوسطى).